هنري فورد و المحرك المستحيل

فكر و ازدد ثراء. كتاب من تأليف نابيوليون هيل نشر عام ١٩٣٧م. الكتاب قديم جداً إذا ما تمت مقارنته بكتب هذا الجيل. يعتبر هذا الكتاب من أوائل كتب التنمية الذاتية و قد وردت فيه قصة أدهشتي و أعجبتني و وددت أن أشارككم بها هنا.

تروي القصة أنه ذات يوم قرر هنري فورد - مؤسس شركة فورد للسيارات الشهيرة - أن يقوم بصناعة محرك جديد للسيارات. لم يتجه فورد إلى الورشة ليقوم بطرق الحديد و صهره ليصنع هذا المحرك، بل توجه إلى الورقة و القلم. بدأ هنري فورد عمله بالتخطيط أولاً و رسم هذا المحرك على الورقة. كان اسم هذا المحرك V8 و كان ذو ٨ اسطوانات cylinders.

بعد أن أكمل فورد رسم المحرك، قام بعرض لوحته على المهندسين و طلب منهم حينها أن يقوموا بنقل هذه الصورة المرسومة إلى واقع. طلب منهم أن يصنعوا و يجسدوا هذا المحرك. كان لفورد رغبة عارمة في تطوير شركته و أن يضعها في تحسين مستمر. رغبته تلك لم تكن تعرف حدوداً و لا واقعاً، خلاف من كان معه من المهندسين فقد كانوا أكثر واقعية منه. و لإنهم كذلك، كان ردهم بالنفي! و أن هذا المحرك مستحيل الصنع! و أنه من غير الممكن أن يُنقل هذا المحرك من ورقة إلى حقيقة!

حينها لم تستجب رغبات فورد لواقعهم. قال لهم، أنه يريد أن يرى هذا المحرك مصنوع أمامه بغض النظر على السقف الزمني! يجب أن تحولوا هذا الرسم لحقيقة! لم يكن أمام المهندسين إلا المحاولة. و استمرت محاولاتهم يوماً بعد يوم، بل أسبوعاً بعد أسبوع، حتى امتدت محاولاتهم لمدة ستة أشهر !

بعدها التقى فورد بالمهندسين. و لكن! هل من جديد؟ لاشيء إطلاقاً! لم يتحقق الحلم و لم يتم إنجاز المحرك. أعاد المهندسون ما قالوه قبل ستة أشهر “مستحيل!” أما فورد فأعاد ما قاله لهم “السقف الزمني غير مهم! أريد إنجاز هذا المحرك!”. لم يكن أمام المهندسين إلا استئناف المحاولات، و لمدة ستة أشهر أخرى استمر العمل من جديد و لكن لا جديد! لم يتم إنجاز هذا المحرك لمدة سنة منذ البداية.

لكن هل يصمد المستحيل أمام إصرار فورد؟ هذا ما كشفته الأيام بعد استمرار العمل لأكثر من عام كامل. إنه الإعجاز! إِذْ صار المستحيل ممكناً و تم إنجاز المحرك بنجاح! أخيراً! تم تحويل الرسم لحقيقة! و انتصرت أحلام فورد أمام واقعية المهندسين.

إن هذه الحادثة التي طوتها صفحات الزمن أثبتت أن الحلم يمكن أن ينتصر على الواقع و هناك أيضاً دروس عدة يمكن أن نكتب بعضها.

1. إبدأ بالتخطيط. كانت أول خطوة قام بها فورد هي رسم المحرك و وضع تصوّر له قبل أن تتم صناعته. قد نُغفل هذه المرحلة و نقوم بتنفيذ أهدافنا مباشرة. عدم التخطيط قد يعيدك إلى نقطة البداية! خذ قلماً و خطط لما تريد قبل أن تبدأ.
2. فوّض لغيرك بعض المهام. رغم أن فورد هو صاحب المؤسسة قد نظن أنه قام باختراع كل تفاصيل السيارة بنفسه، و لكن يتضح أن هذا غير صحيح إذ أن المحرك V8 كان من صنع المهندسين و هو قد أوجد الفكرة فقط. فوّض لغيرك المهام و تنازل عن شرف إعداد كل شيء بنفسك.
3. اجعل افكارك خارج نطاق الممكن. إذا كنت تفكر في الممكن، فسيتجاوزك من هم يفكرون بالمستحيل. و هل كان نقل الصوت بلا وسط مادي في الهواء أمراً ممكناً؟ كان مستحيلاً حينها. نتحدث عن ابتكار قديم مِن البديهيات الآن و هو المذياع radio. خذ على نفسك عهداً بأنك تستطيع جعل المستحيل ممكناً، فأنت تستطع.
4. استمر في العمل. لولا استمرار و اصرار هنري فورد على صناعة المحرك لبقيت من ذكرى المحرك ما رسمه على الورق فقط. إذا وجدت طريقك فاعلم أن وسيلتك لتبلغ نهايته هو استمرار العمل. كم من الأهداف تراجعنا عنها لإننا لم نتمكن من الاستمرار! و كم من الأهداف نجحت و أبصرت النور لأن أصحابها استمروا في العمل حتى النهاية.

كانت تلك حكاية هنري فورد مع المحرك الذي بواسطته استطاع أن يحرك السيارات و ينقل الناس من مكان لآخر في شتى بقاع هذا العالم. و جدير بهذه القصة أن تحرك أيضاً أحلامك. خطط و فكّر خارج دائرة الممكن، و اعمل بروح الفريق، و لا تنسَ أن تستمر في عملك فستصل حتماً إلى ما توجهت إليه!